المسألة الرابعة : تعليق عقد الهبة على شرط مستقبل :
الخلاف في هذه المسألة كالخلاف في المسألة السابقة :
أ- فالجمهور على أنه يمنع من ذلك ، فالحنفية والشافعية والحنابلة يمنعون من ذلك ، مثال ذلك : لو قال : وهبتك السيارة إذا دخل شهر رمضان .
وتقدَّم أنهم يقولون : الأصل في العقود أن تكون منجزة .
ب- قول المالكية وقال به الحارثي من الحنابلة وهو اختيار شيخ الإسلام وابن القيِّم : أن هذا جائز ولا بأس به .
وإذا جاز ذلك في عقد البيع فجوازه في الهبة من باب أولى لأن عقود التبرعات – كما سلف لنا – أوسع من عقود المعاوضات .
المسألة الخامسة : حكم الوعد والإلزام به :
فإن عقد الإجارة المنتهي بالتمليك مبني على وعد وهو التمليك ، فهل يجب الوفاء بالوعد أو لا يجب الوفاء به ؟
العلماء رحمهم الله لهم في ذلك خمسة أقوال لكن نذكر ثلاثة منها :
1- جمهور أهل العلم : أن الوفاء بالوعد غير واجب .
الدليل : قالوا : لم يُروى عن أحد من السلف الإلزام به ، فابن بطَّال وغيره يقولون : عموم السلف لا يقولون بلزوم الوفاء به .
2- طائفة من السلف وهو اختيار شيخ الإسلام وابن القيِّم : أنه يجب الوفاء بالوعد ولا يجوز إخلافه ، وقال به إسحاق بن راهويه وعمر بن عبد العزيز وابن شبرمة من الحنابلة .
الدليل :
أ – قول الله عزَّ وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )[1] .
ب- قول الله عزَّ وجل : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ )[2]
جـ-قول الله عزَّ وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ(2)كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ)[3]
د- حديث أبي هريرة في الصحيحين أن النَّبيّ r قال : " آية المنافق ثلاث – وذكر منها – وإذا وعد أخلف " وهذا يدل على تحريم إخلاف الوعد .
3- قول عند المالكية : أنه يجب الوفاء به إذا أدخل الموعود في ورطة ؛ وأما إذا لم يدخل الموعود في ورطة فإنه لا يجب على الواعد الوفاء به .
الدليل : يستدلون بقاعدة : لا ضرر ولا ضرار .
الترجيح : الأقرب ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيِّم من أنه يجب الوفاء بالوعد .
الخلاصة : تلخَّصت هذه المسائل : أن الوفاء بالوعد واجب ، وأن اشتراط عقد في عقد وتعليق عقد البيع على شرط مستقبل وتعليق عقد الهبة على شرط المستقبل والشروط في البيع كلها صحيحة .
وبهذا يتبين أن من منع عقد الإجارة المنتهية بالتمليك حتى مع وجود الضوابط التي يذكرها بعض العلماء والباحثين لنفي المحذورات الشرعية في هذا العقد أنه غير متوجه ، يعني من سدَّ الباب كله وقال : إن هذا اشتراط عقد في عقد وأن الوعد لا يجب الوفاء به وأن فيه تعليق عقد البيع على شرط مستقبل أو تعليق عقد الهبة على شرط مستقبل …إلخ ؛ أن هذا لا يتوجه .