القسم الثالث : أن يبرم عقد إجارة على عين معينة معلومة بأقساط معلومة ويضبط هذا العقد بضوابط :
الضابط الأول : أن يكون ضمان العين المؤجرة على المالك المؤجر لا على المستأجر ، ونستثني من ذلك شيئين :
أ- إذا تعدَّى أو فرَّط المستأجر فالضمان عليه .
ب- ما يتعلق بالنفقات التشغيلية فضمانها على المستأجر مثل الزيت والبنزين …وما عدا ذلك من تلف العين أو هلاكها أو تلف بعضها أو ما تحتاجه من صيانة …إلخ ؛ فالأصل أن يكون ذلك على المالك المؤجر ، لأن العين المستأجرة كما يقول العلماء : أمانة في يد المستأجر فلا ضمان عليه إلا إذا تعدَّى أو فرَّط .
الضابط الثاني : أن المستأجر إذا قصَّر في دفع الأقساط المتفق عليها بينه وبين المؤجر فإنه يرد له ما زاد على أجرة المثل إذا سُحبت منه العين .
فقد تكون أجرة المثل لهذه السيارة في الشهر خمسمائة ريال ، والمؤجر يأخذ من المستأجر ألفاً ومائتي ريال كل شهر ، فإذا قصَّر المستأجر في دفع هذه الأقساط فللمؤجر بناء على أنه عقد إجارة أن يسحب منه هذه العين ؛ لكن يجب على المؤجر أن يرد على المستأجر ما زاد على أجرة المثل .
الضابط الثالث : ما يتعلَّق بالشرط الجزائي ، يعني للمؤجر أن يشترط على المستأجر شرطاً جزائياً يعوضه عن الضرر الذي يلحقه مقابل عدم إتمام العقد ، ويكون هذا الشرط الجزائي بقدر ما حصل له من الضرر ، فينظر كم حصل له من الضرر مقابل عدم إتمام هذا العقد ، فيدفع له وما زاد على ذلك فإنه لا يدفع له .
وهذا هو الصواب فيما يتعلق بالشرط الجزائي أنه يصح اشتراطه مقابل الضرر الذي يلحق المشترط وأما ما زاد على ذلك فليس له أن يأخذه ، وبهذا أفتت هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية .
إذا توفرت هذه الشروط الثلاثة أصبح عقد إجارة تخللته هذه الضوابط الثلاثة .
حكمه : اختلف فيه أهل العلم رحمهم الله :
أ- فذهب بعض أهل العلم إلى منع هذا العقد مطلقاً ولو ضُبط بهذه الضوابط .
التعليل : بناء على أن جمهور أهل العلم يمنعون اشتراط عقد في عقد ويمنعون تعليق عقد البيع وكذلك عقد الهبة على شرط مستقبل ، وأن الوفاء بالوعد غير لازم ؛ وإذا كان غير لازم وأنه لن يوفي به لم يحصل المقصود من هذا العقد .
ب- أنه جائز ولا بأس به ما دام أنه يُضبط بهذه الضوابط التي ذكرنا .
وأما اشتراط عقد في عقد أو تعليق البيع أو الهبة على شرط مستقبل …إلخ ، فقد تقدَّم أن الصواب أن هذا جائز ولا بأس به .
فلا بأس للإنسان أن يشترط عقداً في عقد آخر فعقد الإجارة يشترط فيه عقد البيع هذا ، هذا لا بأس به .
وأيضاً لا بأس أن يقول المؤجر : إذا سددت الأقساط أبيعك السيارة ، فعقد البيع هنا معلَّق على شرط مستقبل وهو تسديد الأقساط .
وأيضاً لا بأس أن يقول : إذا سددت الأقساط وهبتك السيارة ، هذا عقد هبة مبني على شرط مستقبل .
وأيضاً تقدَّم أن الوعد يجب الوفاء به ، فالمؤجر إذا وعد المستأجر وقال : إذا أتممت الأقساط بعتك السيارة أو وهبتك السيارة فإن هذا واجب ويجب عليه أن يلتزم به ديانة وقضاء ، وأن هذا القول هو الصواب .
فإذا توفرت هذه الضوابط وتبين لنا المسائل السابقة التي رتبت على هذه المسألة وأنها كلها جائزة ولا بأس بها ؛ أصبح هذا العقد صحيحاًَ .
فائدة : صدر من المجمع الفقهي صور لإجازة هذا العقد حيث ذكروا ما يقرب من تسع صور نذكر بعضاً منها :
1- عقد إجارة مع وعد بالبيع في نهاية المدة ، يعني : يعقد عقد الإجارة ويعد المؤجر المستأجر الذي أخذ هذه السيارة بالأقساط أن يملكه إياها في نهاية المدة بدفعة قدرها كذا وكذا ، فأفتى المجمع بجواز هذه الصورة ما دامت توفرت الضوابط الثلاثة السابقة .
2- عقد إجارة مع وعد بالبيع في نهاية المدة بسعر السوق ؛ يعني : يتفقان على الأقساط ويتفقان أيضاً على أنه في نهاية هذه المدة يقوم المؤجر بعقد البيع للمستأجر لكن بسعر السوق ؛ فينظر كم تساوي هذه السيارة الآن فيبيعه إياها ، أيضاً أجازها المجمع الفقهي .
تنبيه : البيع بسعر السوق موضع خلاف :
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يرى جوازه ، يعني لو قال : أبيعك السلعة بما يتبايع به الناس أو بما ينتهي إليه السوم .
3- عقد إجارة مقرون بوعد الهبة ، يعني : يعقد له على هذه السيارة بهذه الأقساط …إلخ ، ويعد المستأجر على أنه إذا أتم سداد الأقساط فإنه يهبه هذه السيارة ، أيضاً هذه الصورة أجازها مجمع الفقه الإسلامي .
4- عقد إجارة مقترن بهبة معلَّقة على شرط وهو سداد الأقساط ، في الصورة السابقة وعده بأن يملكه ، وفي هذه الصورة جعل التمليك بالهبة مبنياً على سداد الأقساط ، يعني يقول : إذا قمت بتسديد الأقساط في مواعيدها فإنني أملكك هذه السيارة ، أيضاً هذه الصورة أجازها مجمع الفقه الإسلامي .
5- عقد إجارة وللمستأجر في نهاية المدة ثلاثة خيارات :
الأول : أن يقوم برد السلعة إلى المؤجر .
الثاني : أن يتملَّك هذه السلعة بثمن يتفقان عليه .
الثالث : الاستمرار في عقد الإجارة .
وهذه الصورة أيضاً أجازها مجمع الفقه الإسلامي .
هذا ما يتعلق بهذه المسألة وهي مسألة الإجارة المنتهية بالتمليك .